Sunday, October 28, 2012

التعذيب بالاغتصاب والاعتداء الجنسي في السجون السورية


التعذيب بالاغتصاب والاعتداء الجنسي في السجون السورية 

تنويه من المتوقع ان تطلق الحكومة البريطانية خططها للتعامل مع مع استخدام العنف الجنسي في الحروب في الامم المتحدة في وقت لاحق من هذا الأسبوع. وقد قال وزير الخارجية البريطاني ويليام هيغ ان الجناة يجب ألا يفلتوا من العقاب من استعمال الاغتصاب كسلاح.. ومراسل بي بي سي فيرجال كين قام بسماع قصص مروعة من بعض المعتقلين السابقين حيث يستمر الكشف عن العديد من حالات من العنف الجنسي ضد السجناء:

تحذير: بعض التفاصيل في هذا التقرير محزنة جدا


أول شيء رأيته هو امرأة في في ركن من أركان الطابق السفلي (القبو) وكان من الواضح انهم كانوا يغتصبونها. وكان الدم يخرج من جسدها وبقيت هي في الزاوية". 
شاهد العيان كان يعمل مع مجموعة لحقوق الانسان ومقرها في كنسية عندما ألقي القبض عليه في نوفمبر الماضي.

الشاهد يقول أن الخاطفين أجبروه على الاعتراف بتهريب الأسلحة وإرسال لقطات من مظاهرات لوكالات الأنباء الأجنبية.

"ركلوني، صفعوني ضربوني ... أنا أعرف ما يحدث عندما يقبضون على شخص ما. شعرت أن هذه هي النهاية."

في البداية، كما يقول، بدأ مسؤول أمني يلمسني جنسيا. كان هناك أيضا ضابط يشاهد ما يحدث لكنه ظل صامتا. ثم تعرضت للهجوم من قبل ثلاثة ضباط سويا. كانوا كالحيوانات، حاولت حماية نفسي ولكنني مجرد رجل قصير ... عندما كانوا يغتصبونني، كنت أخاطبهم:" من فضلك لا تفعل ذلك، من فضلك لا تفعل ذلك. "

أثناء الاغتصاب ، كانوا يسخرون مني قائلين . "أنت تريد أن يترك الاسد السلطة ؟ هذا لقولك أنك لا تحب بشار الأسد.


'لا أحد يزورك'

ثم أحضروا مراهق الى الزنزانة. و تعرض للاغتصاب ايضا. وخلال فعلتهم هذه كان الصبي ينادي والدته.

و على حد تعبير ناج آخر من زنزانات التعذيب في سوريا: هي الأماكن التي "لا أحد يسمع صوتك، لا أحد يزورك.

ووفقا لشاهدة عيان أخرى كانت محتجزة لمدة شهرين في فرع فلسطين التابع للمخابرات العسكرية سيئة السمعة في دمشق ( وهو المبنى الذي قصفته المتمردين في مايو الماضي). والتي ألقي القبض على المرأة عند نقطة تفتيش في مدينة حمص في أواخر العام الماضي. كجزء من التعذيب، أدعت أنه تم استخدام الفئران والجرذان من قبل المحققين لانتهاك النساء. ووصفت الاعتداء على سجينة أخرى قائلة : أنه تم ادخال الجرذ في فرجها وكانت هي بدورها تصرخ. وثم رأيت الدماء على الارض أضافت قائلة .. وخاطبها المحققون ساخرين منها هل هذا كافي بالنسبة لك... ومن الواضح أنها كانت في النزع الأخير، بعد ذلك المرأة لم تعد تتحرك.

ومن الصعب التحقق من عدد حالات الاغتصاب أو تقديرها وخصوصا صعوبة الحصول على شهود آخرين وأيضا رفض (السلطات السورية) لدخول محققين مستقلين لحقوق الإنسان تابعين للأمم المتحدة إلى سوريا.


تقارير منحازة:

وفقا هيومن رايتس ووتش (منظمة حقوق الإنسان)، وصمة العار التي تحيط بالضحايا تجعل العديد من الضحايا يترددون في الافصاح عنها. و في كثير من الحالات ... أهالي الضحايا يمنعونهم من الحديث بسبب الخوف أو الخجل.

ووصفت المنظمة أن استخدام العنف الجنسي هو بقصد إذلال السجناء. ووفقا لمنظمة حقوق الانسان أو الامم المتحدة لم يتم تقديم أي مزاعم لعنف لجنسي من جانب المتمردين.

وفقا لأحدث تقرير صادر عن الأمم المتحدة، إن العنف الجنسي هو جزء من نمط من الجرائم ضد الإنسانية التي يتعرض لها المدنيين في سوريا.

ورفضت الحكومة السورية باستمرار مثل هذه الاتهامات ورفضت أحدث تقرير للامم المتحدة قائلة: أنه "لا نزيه ولا موضوعي".

يعتبرالاغتصاب واحد من أقدم ويلات الحروب. ولكن في الآونة الأخيرة كانت هناك تحركات لتعزيز استجابة المجتمع الدولي. (مع أن وجود أحكاما مشهورة لحالات مماثلة في المحاكم ليوغوسلافيا السابقة ورواندا ، كان من المفترض أن تكون بداية النهاية لثقافة الإفلات من العقاب).

ودعا مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، نافي بيلاي، لرفع الانتهاكات التي تقوم بها الحكومة السورية (بما في ذلك العنف الجنسي) إلى المحكمة الجنائية الدولية. ولكن انقسامات عميقة في مجلس الامن الدولي بين أعداء سوريا وأنصارها منع حدوث ذلك.


ملاحظة : المقالة ترجمة حرفية من قبل مدونة الله سوريا حرية وبس ومصدر المقالة الاصلي موقع BBC بعنوان:

Syria ex-detainees allege ordeals of rape and sex abuse

علما أن المقالة الاصلية تحتوي شهادات بالفيديو على الرابط:

http://www.bbc.co.uk/news/world-middle-east-19718075

Thursday, October 11, 2012

مقاتل سوري يناضل لأجل ثورة نقية

مقاتل سوري يناضل لأجل  ثورة نقية


وسط قرقعة المدافع الرشاشة الثقيلة وأزيز رصاص القنص ورائحة البارود، يفاجأ مقاتلون معارضون للنظام السوري في أحد أحياء مدينة حلب بامرأة محجبة عند مفترق طريق، ويقررون توقيفها بعد أن أثار وجودها ليلا في المكان شكوكهم. يسحبونها من الجديدة -الحي المسيحي الذي استعادته القوات النظامية بعد هذه الحادثة- إلى خلف جدار كلسي عتيق لمنزل أثري يتحصنون فيه. ويطلبون منها التعريف بنفسها. قبل أيام، كان حي الجديدة إحدى جبهات معركة مدينة حلب التي دمرتها الحرب، وأعلن المقاتلون المعارضون السيطرة على ثلاثة أرباعه نهاية الأسبوع الماضي، قبل أن تعلن قوات النظام الأربعاء استعادته. وتعيش في الحي غالبية مسيحية ثرية ذات ولاءات سياسية متعددة، وقد كانت المنطقة مقصودة من السياح خصوصا بسبب شهرة مطاعمها. ويتوجه مقاتل إلى المرأة سائلا "لماذا تسير امرأة بمفردها تحت القصف وفي هذا الوقت المتأخر من الليل؟". تتذرع المراة بأن خروجها جاء بسبب ابنها المريض، لكن روايتها وتعابير وجهها لم تقنع المقاتلين. يقرر أبو محمد -قائد المجموعة المقاتلة- اصطحابها إلى مقره الرئيسي الذي يبعد نحو مائة متر عن الشارع، لإجراء المزيد من التحقيق معها. تجلس أميرة القرفصاء وقد لفت يديها حول خصرها وكانت تهز قدميها متوترة في انتظار وصول بعض السكان الذين استدعاهم أبو محمد على أمل التعرف عليها. لكن حين يرى صورا ومقاطع غنائية على هاتفها النقال تمجد الرئيس السوري بشار الأسد، بالكاد يستطيع منع رجاله من توجيه الإهانات والشتائم إليها.



مقاتلون من الجيش الحر ينقلون داخل سيارة مواليا للنظام اعتقلوه في حلب (الفرنسية) بكاء وقسم تبدأ المرأة حينها بالبكاء محاولة الدفاع عن نفسها، وتقسم أنها من داعمي المعارضة السورية. يتصل أبو محمد بآخر رقم طلبته أميرة من هاتفها الخليوي، ويقدم نفسه على أنه ضابط في الجيش السوري النظامي وقد أوقف أميرة على إحدى نقاط التفتيش للاشتباه بأنها تتجسس لصالح المقاتلين المعارضين. ويرد عليه ضابط في أمن الدولة قائلا "لا تقلق، دعها تمر. إنها معنا وتجمع لنا المعلومات عن مواقع الإرهابيين". يقدم المقاتلون لأميرة كوبا من الماء، ثم ينقلونها إلى غرفة أخرى من غرف المنزل الأنيق الذي يعود إلى أوائل الحقبة العثمانية، وحوله المقاتلون قبل يوم واحد إلى مقر لهم. يجلس أبو محمد (42 عاما) مطرقا ورأسه بين يديه على حافة بركة صغيرة بالباحة الداخلية للمنزل. ويقول "ماذا يمكنني أن أفعل بهذه المرأة؟ إنها تتجسس لمصلحة النظام لكن لا يمكننا احتجازها هنا. فهذا عمل يناقض تعاليم ديننا حتى لو كانت من الشبيحة". ويضيف "لا يمكنني حتى أن أفتشها. كيف يمكنني أن أتأكد من أنها لا تقوم بزرع أجهزة إلكترونية لكي تتمكن مقاتلات ميغ من قصف مواقعنا؟ لقد تلقينا معلومات استخباراتية بأنه يتم استخدام النساء لهذه الغاية". ويبدو المقاتل حسام أمين موافقا على ما قاله أبو محمد الذي يؤكد أنه من أنصار "الثورة النقية". ويقول حسام "لا يمكنها المبيت هنا، هذا ليس بالأمر السليم. سيشكل ذلك إهانة لشرف العديد من العائلات". في النهاية، يقرر المقاتلون المعارضون إرسال أميرة للمبيت في منزل شقيقتها القريب، على أن يستأنفوا التحقيق معها صباحا. ويقول أبو محمد "ماذا كنت تظن ما سيحل بها لو تم اعتقالها على أيدي جنود النظام السوري؟ هل تعرف الكثير من الثوار الذين يعاملون النساء المعتقلات مثلنا؟". كان أبو محمد ضابطا بالجيش النظامي حين انشق قبل نحو ثلاث سنوات وحصل على اللجوء السياسي ببلجيكا. ويوضح "لم يكن الجيش يعني شيئا بالنسبة لي. إذا لم تكن على علاقة جيدة بأصحاب النفوذ فلا يمكنك أن تحقق أي تقدم. هذا مقرف". قرر الضابط المنشق الانضمام إلى المقاتلين المعارضين قبل نحو عام، وابنه محمد يقاتل حاليا إلى جانبه في المجموعة ذاتها. فتاة تسير أمام منزل دمره القصف في حلب (الفرنسية) قضية الثورة قرب مقر المقاتلين المعارضين، توجد مكتبة تبيع لوازم قرطاسية أسفل حصن أثري، وقد استولى عليها "الثوار" بعد فرار صاحبها. في كل مرة يأخذ المقاتلون شيئا منها، قلم عن رفوفها أو أي سلعة اخرى، فإنهم يسقطون بعض النقود في صندوق معدني خصصوه للمالك، وسيمولون منه أيضا إصلاح الباب الأمامي المحطم. ويقول أبو محمد إن "بشار ونظامه لم يحترموا شيئا بالمطلق. لا قوانين أو قواعد لديهم. على هذه الثورة أن تظهر للمدنيين أنها تدافع عن قضية ما". لكنه يدرك في الوقت نفسه أن العديد من المدنيين بدؤوا يتذمرون من أن الاشتباكات التي يخوضها الجيش السوري الحر بالمدينة تعرض السكان للهجمات الجوية من قبل النظام. ويضيف "إذا لم نحصل على تأييد الناس فنحن لا نساوي شيئا". إلى ذلك، يبدو أن هذا المقاتل المخضرم لم ييأس من محاول استمالة جنود النظام إلى الثورة. وهو يدير مكبرا للصوت صوب حاجز للجيش النظامي لا يبعد أكثر من خمسين مترا عن موقعه، ويقول مخاطبا الجنود "أيها الجيش الأسدي، استمع إلي". تعقب ذلك رشقات نارية، فيضحك أبو محمد لصدى الرصاص يقاطع افتتاح خطابه. لكنه يتابع "لماذا تقاتلون لمصلحة بشار؟ هل تظنون أنه يأبه لكم؟ لماذا تقفون في الجانب الخطأ؟ بعضكم من حلب وهذه مدينتكم التي تقومون بتدميرها". 
المصدر: الجزيرة عن الفرنسية

والله محيي الجيش الحر

Tuesday, October 9, 2012

قصص أخرى من عالم الأشباح

قصص أخرى من عالم الأشباح

مقالة لميشيل كيلو 

مأساة «أبو الهدى» إلياس

كان يجلس دوما في زاوية المهجع الداخلية البعيدة وسبحته بيده وجلابيته مربوطة إلى خصره وقد بان تحتها شرواله الناصع البياض، بينما كانت لحيته السوداء الكثة تحجب فمه وتغطي عنقه. عندما رأيته لأول مرة خلته «إرهابيا» ألقي القبض عليه في خلية ما داخل زقاق ما من أزقة حماه. لكن سجينا أخبرني أنه من جماعتي، فتساءلت إن كان يساري الهوى، فقال لي: يا رجل، أقول لك إنه من جماعتك فتقول لي يساري ويميني، إنه من جماعتك، مسيحي مثلك، فأطلقت عليه لقبا شاع في المهجع هو: «الشيخ أبو الهدى إلياس».

كان أبو الهدى ضابطا برتبة ملازم ثان في لواء دبابات يعمل على القطاع الشمالي من الجبهة. خلال الحرب كان كعنترة ابن شداد أو كالزير سالم، يتقدم بدبابته وحدته الصغيرة ويتجه للقتال حيث تشتد المخاطر ويتكثف إطلاق الصواريخ والمدافع، وقد تنقل وقاتل إلى أن اكتشف نقطة ضعف في جبهة العدو اخترق ومجموعته من خلالها دفاعاته وصار وراءه، ثم تقدم إلى أن شاهد وجنوده بحيرة طبريا، من المشارف الشرقية الشديدة الانحدار لهضبة الجولان. صرخ طيلة ساعات في جهاز اللاسلكي طالبا تعزيزه بمعدات تمكنه من مواصلة هجومه، وأعلم القيادة بالثغرة التي أحدثها وحدد موقعها وإحداثياتها وطلب التقدم من خلالها بقوات كافية للالتفاف على ميمنة العدو وميسرته، ولكن دون جدوى. حين علم بعد ساعات أن كتلة الجيش الرئيسية دمرت وأن الصهاينة اخترقوا الجبهة السورية وصاروا عند بلدة حان أرنبة، بدأ يشتم ويتحدث عن خيانة. بعد الحرب، احتفى الجيش بإلياس حنا ومنحه أرفع الأوسمة، ونال شرف الوقوف إلى جانب مثله الأعلى حافظ الأسد، كما ظهر في التلفاز الرسمي، حيث قدم كبطل من أبطال الوطن. لكن أحد رجال الأمن كتب تقريرا ذكر فيه أنه سب القيادة واتهمها بالخيانة، فاعتقل وأرسل إلى المخابرات العسكرية في دمشق، ثم قدم بعد تحقيق دام شهرا كاملا إلى محاكمة عسكرية بتهمة التخاذل والجبن والتصرفات غير المنضبطة خلال الحرب، وأدين وحكم بالسجن لمدة عشرة أعوام. أذكر أنني رأيت ذات مرة ونحن في حمام السجن الجماعي علامات الكي بالنار على ظهره وفخذيه، على الرغم من مضي سبعة أعوام على وجوده في المزة.

كان أبو الهدى على وشك الزواج عندما اعتقل. بعد مرور خمسة أعوام حاول إقناع خطيبته بالتخلي عنه؛ لأنه لا يعرف متى سيخرج من السجن أو إن كان سيخرج منه. لكن الفتاة أصرت على علاقتها به وأخبرته أنها ستنتظره إلى آخر العمر، فكان ذلك يزيده عذابا وقهرا وشعورا بالعجز.

مضت الأعوام العشرة، فلم يخرج أبو الهدى من السجن، بل مدد حبسه عرفيا سبعة أعوام أخرى، حاول خلالها جاهدا إقناع خطيبته بالتخلي عنه، دون جدوى. أخيرا، خرج الرجل من السجن وهو في السادسة والأربعين من العمر، فرجاه والد الفتاة أن يسكن معه إن كان يريد الزواج من ابنته أو أن يتركها له؛ لأنه لم يبق لديه من يعتني به في شيخوخته غيرها، بعد أن ماتت زوجته وذهبت أختها الكبرى للعيش في مدينة بعيدة مع زوجها.

عاش أبو الهدى في بيت عمه؛ حيث أنجب ولدين من زواجه المتأخر، وأنشأ في قريته مزرعة خيول وأبقار، واستعاد بعض صداقاته القديمة وصار نجاحه حديث الناس في منطقته كلها، وحتى في قرى لبنان القريبة من قريته.

خلال شهر تشرين الأول الماضي، قبل قرابة عام من اليوم، دخل الأمن قرية أبو الهدى واجتاح مزرعته التي تقع إلى الشرق منها؛ حيث قتل جميع خيولها وأبقارها، وهدم عنابرها، ثم قتل ولديه، اللذين حاولا منعه من قتل حيواناتهما وحماية مزرعتهما، وقتل أخيرا أبا الهدى وزوجته، عندما خرج عليهم ببندقية حربية وقتل وجرح العشرات منهم. في اليوم التالي، بث تلفاز حكومي سوري نبأ مقتل «زعيم تنظيم إرهابي أصولي» في ضواحي القصير، ونشر «دليلا» يؤكد أصوليته وانتماءه إلى تنظيم القاعدة هو: صورة جثته المرمية على الأرض وقد ظهرت فيها لحيته البيضاء التي تغطي ذقنه وعنقه!

حكاية ليلية

فجأة، فتح باب زنزانتي. كانت الساعة تقارب الثالثة فجرا. أمرني رجل الأمن أن أخرج وأتبعه. بعد قرابة خمسين خطوة، فتح باب زنزانة سبقني إلى داخلها وهو يمسك بيدي ويجرني وراءه. رفع الغطاء عن عيني وقال لي هامسا: سأعود بعد ساعة لإعادتك إلى غرفتك (يسمون الزنزانة المنفردة في السجون السورية غرفة) أشار بأصبعه إلى زاوية فارغة وقال لي: اجلس هناك واحك حكاية لهذا الطفل. كان في المكان الضيق (مترين بمترين) سيدة في نحو الثلاثين من العمر. خرج الحارس وأغلق الباب وراءه وهو يأمرني أن لا أتحدث بصوت مرتفع كي لا يسمعني أحد من زملائه فتقع الكارثة ونذهب معا إلى تدمر. ألقيت التحية على السيدة، فلم ترد. كانت خائفة ومتكورة على نفسها كمن يتقي خطرا داهما. قلت لها مطمئنا: لا تخافي يا أختي فأنا سجين مثلك. بعد صمت قصير سألتها: كم مضى عليها من الوقت هنا؟ فقالت ستة أعوام. نظرت إلى الطفل، الذي كان في الرابعة ففهمت أنها حملت به وولدته في السجن. سألتها عن سبب وجودها في الفرع، فقالت وقد بدأت حبات الدموع تنساب من عينها: رهينة.

جلست أمام الطفل، سألته عن اسمه، فلم يرد. قالت: إنها لم تطلق عليه اسما بعد؛ لأنه لم يسجل في أي قيد، لكنها تسميه أنيس. قلت وأنا أمسك يده الصغيرة: سأحكي لك الآن حكاية يا أنيس. كان هناك عصفور صغير كثير الألوان حسن الغناء، فسأل: شو العصفور؟ صمت قليلا، ثم قررت تغيير القصة وقلت: كانت الشمس تشرق على الجبل، فبدت على وجهه علامات الاستغراب وعدم الفهم. قالت الأم: لم يخرج أبدا من هذه الزنزانة، فهو لا يعرف عن أي شيء تتحدث، وانفجرت بنحيب لم تعد تستطيع السيطرة عليه. جلست حائرا لا أدري ما علي فعله: رواية حكاية للطفل هي استحالة لا سبيل إلى تحقيقها، أم مواساة أم منتهكة الكرامة تضيع عمرها في هذا المكان الخانق، بصحبة طفل لا تدري من أبوه، ستخرج معه ذات يوم تجهل متى يأتي إلى عالم لن يرحمهما!

تسمرت في الزاوية البعيدة عنها. لم يعد لساني قادرا على قول أي كلمة، فقبعت هناك متكورا على نفسي. بعد قليل جاء الحارس لإعادتي إلى زنزانتي، عندما فتح بابها واطمأن إلى أن أحدا من زملائه لم يشاهدنا، سألني إن كنت حكيت حكاية للطفل. عندما رأى الدموع على خدي، أغلق الباب وراءه وانصرف.

المصدر صحيفة الشرق الاوسط العدد  12363  بتاريخ  3/10/2012